في تقرير صادر عن مصرف لبنان، ذُكِرَ أنّ عشرات المصارف اللبنانية أقفلت فروعها وسرّحت موظفيها ضمن «إعادة هيكلة القطاع المصرفي». آلاف العائلات فقدت مصدر رزقها، فيما أصحاب هذه المصارف يعيشون بترفٍ واستعلاء، كأنّ ليس لهم علاقة بالإنهيار.
حين تسمع هذه الأخبار، لا يسعك إلّا أن تشعر بالاشمئزاز: كيف يتحدّثون عن خسائر وعجز، بينما الذين هندسوا هذه الكارثة يعيشون في القصور؟ كيف يطلّ بعضهم عبر الشاشات بنبرة «الخبراء»، يعطون الدروس في الاقتصاد، فيما ثرواتهم الشخصية نمَت أضعافاً خلال سنوات الانهيار نفسها؟ أي وقاحة هذه
في كل دول العالم، حين يتعثر مصرف أو ينهار، تُفتح فوراً ملفات أصحابه وكبار المساهمين والإداريِّين، ويُصار إلى التدقيق في حساباتهم الخاصة، أرباحهم، أصولهم، وتحويلاتهم، لمعرفة مَن استفاد من أموال المودعين. أمّا في لبنان، فالمشهد مقلوب ومخزٍ: المودِع يُتَّهَم، الموظف يُصرَف، والمصرفي الذي راكم الملايين يُحمى.
بينما غاصت الناس في التعتير، كان أصحاب المصارف يحافظون على أسلوب حياتهم المترف.
بينما المواطن يبحث عن دواء أو قسط مدرسة أو فاتورة استشفاء، كان بعض المصرفيِّين يشترون العقارات والبنايات في الخارج.
المفارقة الفاضحة، أنّ مَن كَدَّ طوال حياته ووضع جنى عمره في حسابٍ مصرفي، بات يتسوّل اليوم حقه ليؤمّن الخبز، فيما مَن احتفظ بعرقه يعيش بأموالٍ ليست له.
قبل أن يصدَر أي تقارير عن «أزمة القطاع المصرفي» تحاول تيئيس الناس، من الأجدى والمطلوب قانونياً وأخلاقياً أن تُفتح حسابات كل مصرف على حدة. كل مصرف يجب أن يُفصح عن ودائعه، تحرّكات الأموال، التحويلات...
اليوم، لا نحتاج إلى المزيد من التقارير التي تزرع اليأس، بل إلى خطوة واحدة حاسمة وشجاعة: فتح حسابات المصارف اللبنانية، مصرفاً مصرفاً، كما المصرف المركزي، أمام الرأي العام.
نُكرِّر ما كرّرناه مراراً، يجب أن يُعرَف:
- كم كانت الودائع في كل مصرف بالتفصيل والتواريخ وبالليرة اللبنانية والعملات الأجنبية؟
- كم من هذه المبالغ كانت في سندات الخزينة وكم هو الإحتياطي الإلزامي أو الودائع في المصرف المركزي؟ وفي أي تاريخ؟ وبناءً على أي قانون؟
- كم أعاد المصرف المركزي منها وفي أي تواريخ؟
- كم حوِّل من أموال إلى الخارج، ولصالح مَن؟ وغيرها من الأسئلة الجوهرية التي تهرّب منها الجميع: الحكومات، مصرف لبنان، جمعية المصارف، وحتى بعض وسائل الإعلام التي تتظاهر بالتحليل بينما تتجنّب طرح هذه الأسئلة.
هذه الخطوة هي الطريق الوحيد للإصلاح، قبل أن يُسوّق للناس أي بيانات عامة أو مؤشرات مجرّدة. فالمودع لا يحتاج إلى تقارير مبهمة، بل يحتاج أن يعرف مصير أمواله بوضوح كامل، حساباً بحساب، دولاراً بدولار. كل يوم يُفقد فيه الوقت من دون كشف الحسابات هو يوم يستمر فيه التعتير، وتُضاعف معاناة الناس، بينما أصحاب المصارف يواصلون حياتهم المترفة بلا مساءلة.
هل هذه الأسئلة غير واقعية أو مبالغ فيها؟ على العكس، هي أسئلة مشروعة تماماً لأي مودع، لأي مواطن، لأي مراقب يسعى إلى معرفة مصير أمواله وحقوقه. إنّ رفض المصارف الإجابة عن هذه الأسئلة ليس دليلاً على تعقيدها، بل دليل واضح على محاولة التهرّب من المحاسبة واستمرار احتكار الأموال على حساب الناس.
أيّها اللبنانيّون، لا تسمحوا لأي تقارير من هذا النوع أن تدفعكم إلى اليأس أو تجعلَكم تقبلون واقعاً غير عادل. تذكّروا أنّ حقكم لن يمحوه الزمن مهما طال، وأنّ أموالكم ومطالبكم عادلة ومشروعة. لا تهدأوا أمام وعود جوفاء أو بيانات بلا شفافية. مطالبكم واضحة: فتح الحسابات، ومساءلة كل مسؤول عن التلاعب بأموالكم.